الباقيـات الصالحـات
أعمال البر والخير هي سمة المسلم، وهو يصبو إليها بفطرته من غير مرزأة تلحق به، لرياء أو سمعة أو مَنٍّ، وغيرها من غصص مرة، يتجرع وبالها مَنْ لم يُخلص النية في أعماله كلها، فالزكاة والصدقة والمعونة، وكل رِفدٍ خالص لله، إنما كان تألفاً لقلوب المسلمين، حيث ينجاب عنها الأثر الذي يتركه تصرف الغني الشحيح، ولا يفضي له الفقير العفيف، وبذاك الأثر تكون البوائق، وتنشأ الفتنة التي يتولد منها ما رأينا من انسياق جهلة المعوزين وراء قماءة المبادئ المستوردة التي تتنافى مع عقيدتنا الإسلامية، وقيمنا الروحية السامية، ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع وهو يعلم"؟.
هذا حديث من عشرات الأحاديث المضيئة، وهو نبراس ثرٌّ في ظلمة الضياع والانحراف، ليرد الوجوه الساهمة عن النظر في تحديث العناوين التي كانت مرقاة الأمة المسلمة، وسرق معطياتها المستشرقون والأفاكون، وعاجوا بها مرة أخرى إلينا بعد أن ألبسوها ـ أو قل شوّهوها ـ بمفاسدهم وضلالهم، فاستقبلها أبناء المسلمين لجهلهم بالترحاب والتصفيق، فتجرَّعت الأمة بها كؤوس المرارة، وتقطعت أقتاب بنيها من سغب وخيم، وغلاء مستحدث أيضاً، لأن الجزاء من جنس العمل.
ولعل فلول تلك النظم العالمية المتآكلة والمتهافتة أحسَّت أنها أغلقت على نفسها باب مهيع كريم، يُسوَّدُ فيه مَنْ لم يضاهِ الذي هو أدنى بالذي هو خير، ولم يجعل نفسه قُعوداً عن الوقوف مع الحق، ولم يرض بالمفازة الوعرة الموحشة عن ظلال الرحمة والبر التي جعلها الله للناس لو اتقوا ربهم وعبدوه.
إن شغف المسلم بأعمال البر والخير في كل مجال وعلى كل حال لهي سجيته التي أودعها ربُّـه فيه، فما كان لمسلمٍ فقير أن يتأوه من فاقة في العشيات الطيبة عند أخيه المسلم الغني، ويعلم هذا بجوعه وحاجته، وينام قرير العين، فالأواصر التي تربط المسلم بأخيه المسلم لتربو وترسخ بهذا الشعور الكريم، وبتلك المعونة الخالصة من غير لمزٍ، وهي السور المنيع الذي يؤدي إلى الرفعة والسؤدد بالفرد المسلم وبالمجتمع المسلم، وبالأمة المسلمة على حد سواء.